إنها هندسة الكاتب عبد الحليم حمّود في رسم شخوص روايته من ألف الغريزة البشرية إلى ياء عبقريتها، مروراً بنزاعاتها، هواياتها، مبادئها، أحلامها، ثقافتها، هواجسها . إلى كلّ ما يمكن رصدُه تحت مجهر عينه الثاقبة،المشبّعة بالأسئلة الواقعية والفلسفية اللامتناهية.

 

رحاب هاني / الشوف- لبنان

🇱🇧

ذاكرة غب الطلب

أهي ذاكرة غب الطلب؟! أم ذاكرة متماهية؟

كيف لأحداث مهمة ساهمت في تحديد مصير أشخاص معينين أو رسم مسار تاريخي، مع إستراتجيات دفاعية عن مبدأ مُقدّس. أن تختبأ أو تُلجَم إلى حين؟!

إنها هندسة الكاتب عبد الحليم حمّود في رسم شخوص روايته من ألف الغريزة البشرية إلى ياء عبقريتها، مروراً بنزاعاتها، هواياتها، مبادئها، أحلامها، ثقافتها، هواجسها . إلى كلّ ما يمكن رصدُه تحت مجهر عينه الثاقبة،المشبّعة بالأسئلة الواقعية والفلسفية اللامتناهية.

كيف للقارئ أنّ يتخطى أو يمرّ مرور الكرام على نظرية الكاتب بالموت التدريجي. حين قال: ” مع الوقت، تموت فينا أشياء، لا نستطيع إقامة مراسم لها، فلا جنازات للأجزاء”.
أو حين يستطرد قائلاً:”أنتبهتُ إلى أننا حين نخاف يرتجف الصوت في المخيلة”.

أليس مُحقاً؟

أو حين يجمع الزمان والمكان في مصطلح”الزمكانية” لنسأل عن هذه الخلطة التي تحايل بها على الحياة.
من تصميم الغلاف إلى ١٧٦ صفحة من كتاباته أدخلنا الكاتب إلى مركز الأنا الداخلية، إلى مركز البوح ليتنفس المكبوت فيها. دمجَ حكاياته و حكايات الآخرين مع توابل خيالهُ فأوقعنا بدهشة هذا العمل المتكامل.

في تفصيل الرواية، الخيارات المُبكرة رسمت مصير أبطالها. من قسم الأثار في الجامعة سألت “غزل” حبيبها و زميلها في الدراسة”خالد” ماذا ستعمل حين تتخرج؟ ليأتيها بجواب رسم سلسلة من الأحداث ، سأستلم قهوة أبي. فكرة”القهوجي” نزلت كالصاعقة عليها ، شعرت بخيبة و فرقتهما إلى أجلٍ.
زواج فاشل ثم علاقة مبتورة، إلى صدفة من صناعة القدر، وضعت “غزل” أمام غموض شخصية الأديب والشاعر”سليمان الريّس”. الذي تحكّم من عالمه الآخر بيومياتها. حين قرّرت إعادة تجميع ما كتبه و نشره في كتاب بعد موافقة عائلته.

إلى رموز مفقودة فُرض عليها فك ألغازها، لتأتي في كل صفحة مفاجأة غير متوقعة.أصابت بسهامها علاقتها بوالدها ووالدتها. فكان اللغز الذي عاشت وأياه تحت سقف واحد .
إذ بالأم الهادئة المسالمة متقمصة شخصية لأبرز قيادي للثورة النضالية”الرفيق ماو”. وشريكها في النضال والحياة تقاعد وبات يعتني بالنباتات على شرفته و يسقيها.
وجدت نفسها في حلقة دائرية تدور في الفراغ مع ذاكرة مشوّهة، أعادتها للماضي و مدّت جسراً لتستشرف المستقبل بهدف الحدّ من مفاجأته، والتمرّد على اللاعدالة الماضي، الذي يفرض علينا مقاسات حظوظنا في الحياة. ثنائي المرأة والحب في الرواية مُسلّح بالسلطة، النضال والعنفوان. لأنهما خاضا المعارك،فكان لهما مساحة في الكتب الخالدة.

في المحتوى عناوين مُلفتة تزيد عنصر التشويق لمتابعة القراءة دون فواصل، مع مُتعّة الصور البديعية والتشابيه والإستعارات الإغوائية التي توقظ القارئ تارةً على نصيحة :”لا تقبل لإبداعك أن يأخذ الشكل الدائري، فاللا متناهي يغوي. عيبهُ أنهُ يسجنك في سياقٍ رتيب”.

وطوراً لتوقف عقارب الساعة لأخذ نفس عميق، لإدراك حقيقة مخفية. حين قال:”نحن البشر مثل الكركند، نطهى أحياء”.

وقال ايضاً: “حين تموت، هناك مُتسع من الصمت، فلا تستبقه”.

ضجيج الأحداث في هذه الرواية كسّرت نوافذ الصمت، وشرّعت الأبواب لأحداث مترابطة بمنطق الصدفة وبالسرد المعمّق يطبع شخوصها وكاتبها في الذاكرة الثلاثية الأبعاد.