مراجعات وآراء القُرَّاء

نضع بين ايديكم بعضاً مما كُتب و نشر من قبل أصدقاء و قُراء الروائي والمبدع اللبناني الأستاذ عبد الحليم حمود ونترك لكم الفضاء لمشاركة آرائكم بالرواية بعد مطالعتها مع مئة قارئ عربي

مراجعة الشاعرة اللبنانية أماني غيث


إن كان ثمّة من مرادف لبنانيّ للأمريكيّ ستيفان كينغ أو للبلجيكيّة آميلي نوتومب، من حيث غزارة الإنتاج الرّوائي، لَتصدّر عبد الحليم حمّود اللّائحة من دون منازع. وإن كانت الرّوائيّة البلجيكيّة، ودائمًا تحت تأثير الكحول، حتّى في مقابلاتها ومحاضراتها، تغدق علينا بكلّ دقّة وتركيز مخزونها الثّقافيّ الهائل، فإنّ حمّود وبكلّ وعيه، لا يتوانى عن تقديم نفسه على أنّه موسوعة شاملة ومتنوّعة من المعارف والعلوم.

هو يرى نفسه محطّم أصنام، وفي حوزته مفتاح الحقيقة، في حين أنّ المتمعِّن في أعماله ينتبه جيّدًا إلى أنّه ملاحظٌ دقيق لكلّ ما في الحياة، متأمِّل في الكون والكائنات، فحسب قوله “النّاس يتلصّصون، أمّا المبدعون فيحدّقون بوقاحة”. هو طارح الأسئلة كلّها من أصغرها إلى أكبرها وبكلّ جرأة، والباحث المثابر عن إجابات، العارف والمتعرّف إلى كلّ العلوم، فتكاد لا تخلو رواياته من شروح عن نموّ النباتات وعالم الحيوانات أو عمل الجهاز العصبيّ، فهو بكلّ بساطة “مشرِّح للطبيعة وللإنسان، لجسده، لأجهزته، لداخله، بوعيه ولاوعيه.
في إصداره الأخير ذاكرة هافانا، تبدأ القصّة عندما تقرّرالبطلة غزل “إيقاظ العفاريت النّائمة في الأوراق القديمة”، وذلك بعد أن تنازلت لها أرملة الشّاعر سليمان الريّس عن كتب زوجها وبعض أغراضه، وفيها ستجد الكثير من الألغاز والغموض والغرابة. رحلةٌ بحث ستغيّر حياة غزل.
غزل الّتي تظنّ نفسها تقوم بعملٍ بطوليّ عن طريق إعادة إحياء اسم الشّاعر والصّحفيّ المتوفّى، عن طريق تجميع قصائده وإعداد كتابٍ عنه، لن تكون مهمّتها سهلة كما حدث مع الياس خوري عند جمع قصائد درويش. لأنّ سرًّا ما وماضي ما، سيعودان إلى الواجهة، ما سيسبّب الكثير من المتاعب والمخاطر للبطلة، وهو طبعًا مصير كلّ الباحثين عن الحقيقة، مصير جميع المحمَّلين بالأسئلة، وبالشّكّ! لكن بالنسبة إليها فالثّمن دائمًا يستحقّ المخاطرة: “أمّا هؤلاء الذين لا يخوضون المعارك، فما من مساحة لهم في الكتب الخالدة!”
المرأة في ذاكرة هافانا:
المرأة في هذه الرّواية ليست خاضعة ولا مجرّدة من قرارها، بل على العكس، نراها صاحبة قرار، تخطّط وتدير وتدبّر وتستعمل السلاح، قد تكون ذات سلطة، ومناضلة، إن كانت بشعر طويل على غرار مناضلات الفييتنام أو قصير على طريقة مناضلات ظفار.
الحبّ في ذاكرة هافانا:
يولي الروائي للمشاعر مكانة عليا، فها هو الشاعر سليمان الريس، فاته أن” يخبر(زوجته) أنّها بقيت حبيبته إلى آخر العمر”، وها هي غزل تستنتج : “يا لهشاشة العشّاق، مثقّفين كانوا أم باعة متجوّلين، جميعهم أطفال في حضانة!” ومرّةً، دقّ قلبها بشدّة أمام خالد عندما “لفظ اسم(ها) بصوتٍ خرج من نقطة مقمرة في روحه”. أمّا المسكين رالف فقدْ فقدَ وعيه وأعصابه وغدا ضعيفًا جدًّا لمجرّد أنّه لم يقوَ على البعد عن معبودته.
الفنّ في الرّواية:
كما في معظم رواياته، لن يدع المؤلّف لحظةً تمرّ دون أن يظهر لنا أنّه مسكونٌ بالفنّ بكلّ أشكاله. فمن الشّعر بدأ، ومن صاحب اللّغز الكبير، الرّاحل سليمان الرّيّس، مرورًا بالرّسم من خلال فريدا كالو و لوحة “شارل خوري، وكائناتها الخرافية” الرّامزة إلى “عبثية الحياة” و”عشوائية القوانين”، ومن ثمّ الموسيقا والأغنيات : فيروز، محمد فوزي، هدى سلطان، نور الصباح، شمس المغارب، ولم ينسَ السينما: إيميل دبغي، معرّجًا على المسرح مع “ميس الرّيم”.
وطبعًا لم يفُت الرّوائي المشغول بالإبداع أن يمرّر لنا نصائحه في هذا الشّأن: “لا تقبلْ لإبداعك أن يأخذ الشكل الدائريّ، فاللامتناهي يغوي”، ومرّةً عن لسان خالد، ناصحًا غزل “ستتجاوزين الصدمة إذا نقلتِ أنماط تفكيرك من صندوق العاديّات، إلى علبة الإبداعات!”
حصّة الفلسفة في ذاكرة هافانا:
على البعد الفلسفيّ ألّا يغيب عن أيّ عملٍ روائيّ، وهذا ما يحرص عليه حمّود، فمن حين إلى آخر تفاجئنا بعض الجمل العميقة والرنّانة ومنها عن الموت التّدريجيّ: “مع الوقت، تموت فينا أشياء، ولا نستطيع إقامة مراسم لها، فلا جنازات للأجزاء”/ “انتبهت الى أنّنا حين نخاف يرتجف الصوت في المخيلة”،/ “يا للروعة! عصفور! كل هذا السّموّ ينحني من أجل دودة”، نلاحظ هنا دقّة الملاحظة لدى الأديب حين ينطلق من مراقبات وتأمّل للطبيعة والمحيط، لتنتج منها استنتاجات فكريّة عميقة.
الأسلوب:
لا يخلو هذا العمل من الشّاعريّة، من خلال الصّور البديعيّة والمحسّنات، إليكم بعض التّشابيه والاستعارات، وجميعها غير مجّانيّ ولا يخلو من الرّسائل، “نحن البشر، مثل الكركند، نُطهى أحياء”/”القبور سبائك موت بيضاء”/ ” بحر الرخام الصامت”.
بالنّسبة إلى الجمل، فقد تراوحت بين المتوسّطة والطّويلة، جمّلها التّعداد والعبارات المتوازية والمتقابلة.

التّشويق: عرف الروائي جيّدًا كيف يشدّ انتباه قارئه من خلال خلق الكثير من الألغاز وإجادة توقيت كشفها تاركًا لنا الحقيقة الأخيرة الصّادمة في نهاية العمل.

الخاتمة:
ذكّرتني الرواية ونهايتها بعملين كبيرين، الأوّل لمسرحيّة “وحيد القرن” لإيونسكو، فما أشبه مشاعر غزل اليوم، عند اكتشاف حقيقة معظم من حولها، بل الجميع، وانتماءاتهم، بمشاعر بيرانجيه وهو يتفرّج مذهولًا على تحوُّل كلّ من حوله إلى حيوانات غريبة، كانت رسالة حادّة وساخرة تلك الّتي وجهها الرّومانيّ انتقادًا للشّموليّة العالميّة حينها، ولحمّود رسالته الخاصّة (سيكتشفها القارئ الذكيّ)، وهي أقلّ عدائيّة ربّما! والعمل الثّاني هو لكازانتزاكس، وتلك الرّقصة الشّهيرة للبطل، كلّما أراد أن يشرح فكرته كلامًا ولم يستطع. في ذاكرة هافانا، رقصة البطلين عاريين، لم تكن ذات بعد إيروتيكي، بل كانت رمزيّة، وتوحي بالتّصالح مع كل هذه الحقائق المعيبة لأقرب الناس، والتّقبّل أخيرًا لكلّ ما اقترفت أيديهم يومًا ما.

مراجعة الكاتب اللبناني إبراهيم عيسى


في كل فترة أتوقف فاصلاً زمنياً عند كاتب معين يعجبني أو أتأثر به أو أحبه أو تعجبني رواياته إلخ إلخ إلخ أسباب كثيرة، عادة لا أعلق على النص الأدبي أكثر منه على الحبكة و الصيغة و الأسلوب، لي فترة ليست بكبيرة و أنا أقرأ للكاتب والروائي الفنان الصديق عبد الحليم حمود، تختلف رواياته كثيرا بطابعها يعرف جيدا كيف ينوع حبكته و أسلوبه تماما كعازف موسيقي متمرس بآلته. في رواية يأخذك الى الدرامي و أخرى الى التراجيديا ثم الى السايكولوجي و النفسيات و يحبك سردياتها بطريقة لا تستطيع أن تطرف لك عين و كأنك تشاهد فيلماً سينمائياً، في ذاكرة هافانا يهديك الكاتب رواية بوليسية ذات أحداث مشوقة لا تستطيع أن تعرف خواتيمها لأنها بكل بساطة لا نهاية لها و لكن شخصياً كنت أتوقع نهاية دموية مأساوية كونها رواية تأخذ تفكيرك الى أفق درامي بعيد.

و مما نشر الصحافي اللبناني حسين حمية على صفحته على الفايسبوك (بتصرف)

 

“ذاكرة هافانا”…تدمير التاريخ أو تلوينه..
لا أخفي كان هناك تردّد في متابعة ما كنت قد بدأته، لأن لعبة (أصر على التسمية) التأويل في الرواية لا نهاية لها، هي لعبة مفتوحة لا ضوابط ولا قيود لها، مادام هناك أكثر من 70 مدرسة للادب تتخالف فيما بينها بكل شيء حوله. وفي هذه الحال، لن يكون هناك سرير بروكست واحد، إنما أسرّة بالجملة.
بروكست اسطورة اغريقية، عن قاطع طريق، كان يخدع المسافر بدعوى ضيافته، وكان لديه سريران واحد صغير الحجم، والثاني كبير، فإذا كان المسافر من طوال القامة يمدده على السرير الصغير، ثم يقطع رجليه حتى يماثل مقاس السرير. أما إذا كان من قصار القامة، فيمدده على السرير الكبير، ثم يمطط جسده حتى يطول ويستوي على مقاسه.
حال الرواية مع القارىء، لا يختلف عن حال المسافر مع بروكست. وعليه،ليكن هناك سرير لقراءتي، ولنختصر ما أمكن، ولنسأل، ما هو الفراغ الذي تعبأه “ذاكرة هافانا”؟ أو ما يسمونه سؤال الرواية؟ هل كانت “الف ليلة وليلة” ترفيها فقط؟ شهرزاد لم تكن تتسلى بحكاياتها التي ترويها لشهريار، ولم تكن تريد إنقاذ نفسها ومعها شقيقتها دنيازاد فقط ، كانت حكاياتها لوقف المذبحة اليومية بحق نساء مملكتها جميعا، وهذا ما نجحت به.
يجب أن لا يتبادر إلى ذهن البعص أن المطلوب من “ذاكرة هافانا” او اي رواية أن تنقذ أرواحا، لا أقصد ذلك إطلاقا. المقصود هنا، ألا يكون سؤال الرواية صغيرا وتافها، لأن تصغير السؤال إساءة للرواية نفسها.
قد يقول قائل أو قارىء، الرواية هي قصة حب بين غزل وخالد، وما قصة المنظمة العنفية إلا خلفية لعرضها، لكن من جهتي أقول العكس، وقصة الحب هي إعادة تلوين لماض عنفي، الرواية استدارة نحو ذاك الماضي، ليكرر نفسه وليستأنف تمدده إلى المستقبل.
هل في “ذاكرة هافانا” محاكاة جزئية لماركيز في “مائة عام من العزلة”؟ في تلك الرواية، عرفنا أن عائلة بوينديا التي كانت تقيم في بلدة ماكوندو، استمرت كذا جيل. هل غزل وميم هما الجيل الثاني ل”منظمة النضال الثوروي”، وجيل ثالث على طريق كما نستدل من التحولات التي طرأت على عمل المنظمة مع خالد؟
مع ذلك تبقى قراءتي منقوصة، هناك جماليات لفتتني في “ذاكرة هافانا”، لكن تحتاج إلى عنوان آخر غير هذا الذي وضعته. لا بد ذكرها، لكن يمكن تناولها في سياق آخر.

وعن "ذاكرة هافانا" كتبت الصديقة زينة شلهوب

لن أدخل صلب الموضوع قاصدة ألا أرمي أي تفصيل نحو ملعب القارئ. أريدك أن تسجل الهدف بنفسك حيث تنطلق وتتفاعل مع أحداث هافانا.
حين يلزم الجاني نفسه بالغوص في الرواية سيبدل أماكن كثيرة، ويثيره الفضول والجوع لكثرة الأحداث والأسرار والألغاز لما تكتنزه من جواهر التشويق. أما أنا فقد قدرت وحكمت على السريالي عبد الحليم حمود، المتعطش إلى سلب العقول ومطارد الأحداث بفن السرد الذي يمسك مقابضه بإحكام، في روايته الثامنة “ذاكرة هافانا”، الصادرة عن دار زمكان ـ بيروت.
بين الصفحات هناك الكثير من الأكشن، والريأكشن، بحياكة اليد التي تصنع وتبهر وتتفنن بمحتواها، راسمة الكلمات على ورق ليتكلم أبطال الرواية معك على أرض الواقع، ساحقا نجاحك بصالة عرض ضخمة تسمع من خلال الممثلين مقطوعاتك الفنية لتكون هافانا الحدث الأكثر جماهريا.
ماذا أكتب عن ماض بمآسيه فتحتُ أبوابه بنفسي؟ ماذا عن ذاكرة أنهكت سكرتي وأضاعت فكرتي؟ ماذا أكتب عن هافانا؟متلازمة أفقدتني صوابي ولن أعرفها. “الفيلم” الذي أسرني بداية حتى آخر عريٍ لشجرة الخريف.
أحداث سيوقعك بها الكاتب بأفخاخه المنصوبة بإحكام مسبق ليسلب منك النوم والعوم، يجعلك لا تعرف ما وراء الصفحة التالية،ليقبل عليك بقنبلة جديدة تجعلك تأكل أكبر قدر من الفشار للمشهدية الغرائبية السريعة الإتقان والتشويق. عند المشاهدة، عذرا، عند القراءة ستتوه أيها القارئ في ممرات كثيرة وبيديك ستنتشل مفتاحا تفتح به باب النهاية لتتلذذ بالفرادة والتحكم بالنص بكل حبكاته المجنونة.
بإنسيابية الأحرف، اومرونة المعاني، ستقع مثلي، أيها القارئ بالحب دون إرادة منك. وستتذكر أنّ هناك مخطوطة وقعت بين يديك لتبحر فيها ومعها نحو المستحيل.
ستحدث ضجة كبيرة في صلب الأحداث ومفترقاتها ستعكس طريقة تفكيرك لتنجز إذا النهاية الصافية كسماء تموز المبشّرة بإله الدفء والحب، لتدخل إلى القاع، وصدقني لن تغرق بالمحتوى الأكثر إبهارا.

قراءة في رواية "ذاكرة هافانا" بقلم الشاعرة اللبنانية رنا يتيم

حين تكون الذاكرة كقبر يأوي فيه جثث التجارب السابقة بكلّ تفاصيلها وشخوصها، تصبح كشبح يطاردنا طيلة الوقت، ونحن الهاربون منها كلّ الوقت.

حاضرنا هو امتداد للماضي الذي يرسم مستقبلنا أيضًا، فكلّ قرار صائب أو متهوّر نتّخذه يكلّفنا رسم خريطة حياة بأكملها. هل ينفع ترقيع تشوّهات الماضي بإخفاء معالمها لتظهرنا بصورة أنقى وأجمل أمام الآخرين؟

مهما مرّ الزمن على حقيقة نداريها فلا بد للقدر أن يلعب لعبته معنا وينبش قبورنا ليكشف سترنا، كما أنّه كفيل بتثبيت أو زوال أيّ علاقة، وبمعرفتنا مقدار حبّنا أو رفضنا للآخرين، وحجم مكانتهم في حياتنا.
عاشت “غزل” في بيت والديها، ولم تكتشف حقيقتهم إلا بعد بلوغها الأربعين عن طريق والد صديقتها ” ميم” الشاعر والمناضل “سليمان الريّس” الذي توفي، وترك خلفه إرثًا عظيمًا من الكتب والمؤلّفات الشعريّة والمقالات والأوراق التي تخفي الكثير من الأسرار عن منظّمة حزبيّة راديكاليّة بالظاهر، وفي باطنها ثورويّة عنفيّة حملت رصاص وبذّات عسكريّة ملطّخة بالدماء.
فكان هذا الإرث الشرارة الأولى لتتكشّف أمامها حقائق أخرى أعظم وأفظع عن حياة والديها، وجميع من حولها من الأصدقاء وزملاء الجامعة، ممّا شكّل لها صدمة لم تتخلّص منها إلّا بعد معاناة لفهم الحياة من وجهة نظر جديدة مختلفة عن وهم المثاليّة التي عاشتها.
في النهاية كانت المسامحة سبيل آخر للتخطّي بمساعدة حبيب الدراسة “خالد” الذي عادت إليه، وكان ملجأها الوحيد بعدما تخلّت عنه في السابق بسبب أفكارها غير الناضجة.
تفاصيل وأحداث مشوّقة منها ما حصل بالواقع ومنها من مخيّلة الكاتب أنجبت لنا رواية محبوكة من بدايتها إلى نهايتها كحلقة مترابطة، شخوصها على صلة ببعضهم البعض وكلّ سرّ من أسرارهم كان مكمّلًا للقضيّة التي بين أيدينا، والتي كانت سببًا لكشف ماضي كل فرد فيهم.
ذاكرة هافانا هي ذاكرة كلّ واحد منّا بكلّ ما تحمل من أبعاد إنسانيّة، نفسيّة، فلسفيّة وعلميّة. وكما عوّدنا الصديق عبد الحليم حمود في مجمل رواياته على أسلوبه الإبداعي المثقّف، والذي يحملنا على المواجهة مع ذاتنا، أفكارنا وحتّى مشاعرنا في فرصة لمواجهتنا وغربلتنا إلى الأفضل من شوائب تجاربنا.
تعلّمنا ضرورة صدق النوايا في العلاقات لضمان استمراريتها على شكلها الأوّل، وأن لا نحكم على الناس من مظهرها ومن خلال موقف أو كلمة قبل الشروع في فهم خلفياتهم وأهدافهم، كما حصل بتجربة غزل مع والديها ومع خالد وسليمان ورالف المريض بعشقها.
اختلفت هذه الرواية عن سابقاتها حين تعمّد الكاتب أن لا يذكر تفاصيل العلاقة الجنسيّة بين خالد وغزل بمحاولة منه لرفع هذه العلاقة إلى مصافي العاطفة السامية وحاجة الروح لتكتمل بالآخر، وإظهار حميميّة الأماكن ودفئها وخصوصيتها، كقهوة خالد التي جمعت تراث والده مع بعض التطوير وبث روح الفن والثقافة والعلوم التي يواكبها عبر العالم.
فأصبح المكان عالم مصغّر من ذكريات الماضي، آمال الحاضر وأحلام وطموحات المستقبل. بالإضافة إلى الملفّات السياسيّة والأمنيّة والحزبيّة والحروب الداخليّة والعالميّة، التي جعلنا الكاتب نستعيدها من الذاكرة.
كلّ شخصيّة من شخصيّات “ذاكرة هافانا” مُجتمعة تجسّد عبد الحليم حمود بشكل أو بآخر، وفي كلّ منها مزايا من مزاياه، وجانب من جوانب حياته. بالإضافة إلى إسقاطه خُلاصة خبراته الحياتيّة، معارفه، علومه، فنّه، شعره، فلسفته الخاصّة، معتقده وثقافته عمومًا في هذه الشخوص التي عشنا معها كحقيقة دامغة وكان لنا في كلّ فصل من فصولها عِبرة، حكمة، تأمّل وتحوّل.
نتمنى لهذا العمل المؤلف من ١٧٦ صفحة الصادر عن دار زمكان التوفيق والنجاح العالمي، بانتظار حفل التوقيع في المعرض الدولي للكتاب كما نرجو للجميع قراءة معمّقة وممتعة.

وعن الرواية كتب الأستاذ نافذ قديح - براغ

سأبدأ من الذاكرة: نعم كما قال كاتبنا الكبير الأستاذ عبد الحليم حمود في مستهل الرواية(الإهداء) وبتصرف: إن الذاكرة هي مخزن لجميع المعلومات والحوادث التي تمر معنا في حياتنا ولا شيء يُمحى ولا شيء ينتسى ولكن المهم ان يكون عندنا المقدرة على جلب تلك المعلومات من الذاكرة،مع العلم أنه باستطاعتنا إسترجاع الحوادث القديمة من الذاكرة بشكل أسرع من الجديدة وخاصة عند المتقاعدين.
عندما تقرأ عبد الحليم حمود تشعر وكأن في داخل الكاتب من يحثَّه وبإلحاح على الإنتقام من العادات الإجتماعية البالية وبشكل قاس في معظم الأحيان.
عندما كنت أنا في المدرسة وحتى في الجامعة كان من عادتي أثناء القراءة أن ألخص ما أفهمه على ورقة ثانوية،ولكن مع “ذاكرة هافانا” لعبد الحليم حمود كنت بحاجة إلى أوراق ثانوية عدة وإلى أقلام ملونة لأرسم شبكة شخصياته المتعددة،وخاصة في العشرين صفحة الأوائل حتى لا أضيع في المتاهات الفلسفية والنفسية التي يتميز بها الكاتب عبر أبطاله،وبعد ذلك تصبح القراءة ممتعة وفهمها أسهل. لذلك أقول وأنصح الذين يريدون الوصول إلى فكر وقلب حمود عليهم التريث بالقراءة ولو بدا لهم ان الرواية متوسطة الحجم حيث يتجاوز عدد صفحاتها ال ٢٠٠ صفحة،ولكن هذا سراب في صحراء.
في الصفحات العشرين الأوائل كانت بالنسبة لي كمن يحمل حبلا في بدايته كثير من العقد وبعد تفكيكها وحلها جميعها يصبح التعامل مع الحبل جميل وسهل ومفيد. لن أدخل في تفاصيل الرواية ليس فقط لأتركها للقراء الكرام ولكن وبكل صراحة لا أستطيع ذلك لأنها مكتوبة ليس بأسلوب السهل الممتنع ولكن بأسلوب الصعب الممتنع. لا شك في ان أبطال الرواية جميعهم يمثلون شخصية حمود وبدت لي وكأنها سيرته الذاتية ولكن بتصرف.

جميع أبطال الرواية هم ينتمون إلى منظمة ثوروية تقوم في البدء بأعمال فدائية ضد أدوات الإستعمار أينما كانوا ولكن وبعد مرور فترة زمنية ينفرط عقدها وهذا هو المسار الطبيعي لهذه الحركات وللأحداث الكبيرة في التاريخ. لذلك يستخلص كاتبنا بأنه “على الكاتب ان يكتب كما يملي عليه الزمن والنضوج الفكري والتغير بالشخصية،ولا تقبل لإبداعك ان يأخذ الشكل الدائري” عمل صادر عن دار زمكان. أتمنى للجميع قراءة ممتعة.

عن "ذاكرة هافانا" كتبت الفنانة التشكيلية باسمة عطوي

ما ان تطل براسك على نافذة الكلمات حتى تدخل بأقدامك الى عالم آخر فيه سلسلة من القصص يحكيها لنا الروائي عبد الحليم حمود، بسلاسة وانسيابية لغوية، بتنا نألفها في أعماله التي تشدنا وتحبس أنفاسنا، بحيث نصبح اصدقاء لأبطال القصة الذين سنشاركهم تلك اليوميات والاحداث التي تدور في عقل الكاتب فنصبح مثلث قائم مع ابطاله.
رواية “ذاكرة هافانا” هي مجموعة حكايات محتشدة في قصة واحدة، لحياة واحدة و سرد مفصل وعميق، يتناسب وابطال المروية.
لغز البداية تجدة في الخاتمة. جميع الابطال، الحبيب السابق والحالي. وهناك الشاعر سليمان الريس الذي يخاطبنا من غياهب الغيب. ايضا لن ننسى الاب والام ، الذين يبدون عاديين في الظاهر لكنهم من الداخل كخزان وقود موقوت يشتعل ما أن تفتح عنه الستارة. كل هذا كان يعالج بحروف كتبها حمود لتصلنا ببرد وسلام ولننعم بدفء الاحداث وسهولتها. مما لفتني في هذا العمل الرائع، مقدمة كتاب سليمان الريس التي كتبتها البطلة غزل، فقد خطّت حديث روحي وجداني، بعيد كل البعد عن التصفح السطحي. اما خالد البطل الغائب الحاضر فقد كان مفتاح كل الالغاز والعنصر الاساس لمتاهة، نهايتها كانت بدايتها !!
“ذاكرة هافانا” عمل صادر عن دار زمكان. تستحق القراءة، بل وإعادة القراءة، لأن القارئ سيبقى حبيس تلك الشخصيات، التي لن تغادره أبداً.
أمنحها كامل العلامة.

وعن "ذاكرة هافانا" للكاتب اللبناني علي الحمود

“ذاكرة هاڤانا”، عن الماضي الذي مهما طال اخفاؤه، فإن حبله قصير.

هي رواية نتيجة تزواج بين قالب روائي محكم ومميز، وبين معرفة وثقافة لزمن محدد، رفيعي المستوى. وهذا ما عوّدنا عليه الكاتب عبد الحليم حمّود، حيث المعرفة دائمًا في خدمة الحبكة الروائية.

في البداية، لفتني العنوان جدًا، لأنني أحب كل ما يتعلق بكوبا وعاصمتها هاڤانا، حتى أجد لاحقًا وأنا أقرأ الصفحة تلو الأخرى، بأن المحتوى ملفت أكثر، وفيه الكثير من التشويق والإثارة والغموض.

لكن رغم التشويق والغموض، يأتي السؤال الذي سيطرحه كل قارئ عندما يقرأ الرواية، وهو: “ما معنى أن تعيش في كنف عائلة عادية، ثم تكتشف لاحقًا، بأن هناك ماضٍ مخبأ، وزمن من “الخيطان المعربسة”؟ هنا، تحديدًا، تبدأ حكاية غزل، التي ترث تفكيك الخيوط.

إنها ذاكرة غزل، أمها وأبيها، خالد، ميم والشاعر سليمان الريّس، الذي برحيله وعبر مكتبته تُكشف الأرواق، ويفك الخيط الأول، لتكون “ذاكرة هاڤانا”، شيفرةً تُفك عبر الصفحات.

هذه الرواية ذات زوايا مثلثة، بمعنى أن كل حقيقة تكتشفها، تجعلك تصطدم بالحقيقة التالية لتتضح الصورة أكثر وأكثر.

 

مبروك للكاتب عبد الحليم حمّود روايته الثامنة.